الكتب


 

الطاقة والوقار

2004

 

ما انفك تلاقحُ الفنون والأجناس الأدبية والعلمية يلقى حفاوة ويبعث أسئلة الدهشة، ويضيء مجاهل التجربة الإنسانية، وما برحت القراءات تترى وهي تحاول فك رموز العمل الفني والأدبي وإحالة علاماته إلى علم النفس الذي استولى على جل الإحالات، ووسمها بميسمه طوال عقود عديدة خلت.
بيْدَ أن إحالة العمل الفني إلى حقل الإعلام التسويقي والعلاقات العامة ومهارات الاتصال يبدو جديداً ومستدعياً الكثير من الأسئلة والنقاشات حول قدرة طاقة التواصل والحوار على إنتاج معادل الوقار الذي يرمي إلى "تنمية مهارات الفرد وتطوير الجودة الشخصية الاتصالية" وهو ما يتصدى له كتاب (الطاقة والوقار) الذي صاغ أطروحته مخرجُ الاتصال الإعلامي الأردني ماهر سلامة استناداً إلى عوالم اللوحة الفنية لدى الفنانة الأردنية المقيمة في اليونان سناء كيالي.
ويتناول الكتاب الصادر ضمن منشورات (رواق البلقاء للفنون) بالأردن حوار اللوحة مع ما يعادلها من الطاقة الكامنة في الإنسان الذي يحرص مؤلف الكتاب على جعله محور العملية الإبداعية والركن الأساسي ليس في معادلة اللوحة وحسب، بل وفي المعادلة الكونية برمتها، إذ ما يفتأ سلامة يذكّر وهو يخاطب الفرد بعبارات تحيل إلى أجواء رسولية: "أن يكون لك مكان ودور تلعبه في هذا العالم مسألة يجب ألا تشك فيها، ولكن الامتلاء بالرؤية والإيمان والطاقة الشخصية هي التي تضعكَ على الخريطة".
وفي مقابل هذا المعمار من الفكر التواصلي يلتمع في لوحات كيالي اللونُ الأحمر واللون الأسود وهما اللونان اللذان يشكلان ركيزة الكتاب وثيمته الأساسية "فالأحمر نصر وكفاح، والأسود إعلان حزن محتج على موت الأحمر في الإنسان، مسترجعاً له السمو والوقار" وبالتالي فإن المؤلف يدعو إلى أن يكون "الأسود لون تقدير الإنسان ووقاره في العيش، إذ لا لون يقهر الأسود لأنه كل الألوان". كما أن "الأسود بات يلوّن ذكرى ضياع وقار الإنسان وموته لأنه افتقد الأحمر ولم يعد الأسود يكحل وقار الإنسان في العيش إلا قليلاً". ولا سبيل لاستعادة زمام الأمور إلا عبر الاحتفال بوقار الإنسان وهو على قيد الحياة من خلال حمايته بالأسود وتقويته بالأحمر، لأن "في الأسود التفرد والتميّز وحفظ المسافات، وفي الأحمر طاقة الهجوم والاختراق والحب".
بيْدَ أن معادلة الطاقة والوقار استناداً إلى الذاكرة الدلالية للونيْن الأحمر والأسود لا تستوي من دون البحث عن تعريف جديد لفكرة الثقافة ومفهوم المثقف، وهو ما ينهد إلى البحث عن أسئلته مدير رواق البلقاء خلدون الداوود الذي يجهر بقلق محير عندما يعرّف المثقف، فهو يرى أن "الفن في خدمة كل التخصصات" شريطة أن يكون الفنان أو المثقف "صاحب إضافة فكرية أو إبداعية وصاحب رؤية شمولية تقدم جودة مميزة لحلفائه في القطاعات المساندة لتخصصه" ويرى الداوود إلى تجربة ماهر وسناء بصفتها قران تخصصين يرميان إلى "تسهيل نقل المعلومة والمهارة وتعميمهما على الناس من خلال قناة الفن التشكيلي".
وعبر خمس وعشرين مقالة تتجلى المقدرة المعرفية لدى مؤلف الكتاب في تقوية الذات وإعادة إنتاج تفاؤلها وهو حقل لا نجد كثيرين يخوضون في معمعانه لأنه علم مبتكر وحديث الحضور في العالم العربي على الرغم من أنه يستقي أدواته ومرجعياته من فتوحات علم النفس وعلم الاجتماع وعلوم الاتصال في اشتباكها مع الآداب والفنون بصفة عامة.
وإن كان ثمة مأخذ على هذا الكتاب المبتكر، فهو خلوه من البناء العضوي الذي يجعل الفكرة الاتصالية تلتحم باللوحة وتضيء مجاهلها، إذ جاءت المقالات منعزلة في تبويبها عن لوحات الفنانة التي جهدت في سبيل إبراز الطاقة الكامنة في اللونين الأحمر والأسود من دون أن يتحقق الالتحام المنشود والرسالة المركزية للكتاب الذي سعى إلى "تنمية مهارات الفرد وتطوير الجودة الشخصية الاتصالية لديه".

الكتاب: الطاقة والوقار
المؤلف: ماهر سلامة
الناشر: رواق البلقاء للفنون ـ الأردن 2004

 

 

رجوع

 
 


                            Home       About         Art Collection        Our Artists        Fuhaies         Books         Films        Location         Contact