الكتب

 

 

مر القطار

في سبيل الاستعادة
خلدون الداوود ، رواق البلقاء للفنون.

لم يكن من طريق لأخرج من آثار وفاة والدي إلا بالعمل ، كان حديث الفقد يقودنا لمظاهر البقاء والحديث عن التاريخ ، وكانت ليالي الشتاء تحتمل الإطالة ، جاء الصديق د. مهند مبيضين أكثر من مرة وفي كل مرة يرمي فكرة ويغادر ، حديثه المتواصل عن الشام – حقل دراسته – جعله شغوفاً بالأثر العثماني ، لتقاطع تلك الرغبة مع مشروع وراق البلقاء الحضاري " حوار النهر " ومن هنا بدأت القصة .
بدأ الرواق العمل على الفكرة ، لم يستغرق الأمر الكثير من الاجتماعات وتشكيل اللجان ، كنا نطرح الفكرة ونجد لها استقبالاً كبيراً ومفرحاً بين نخبة عربية ووطنية ومنهم : الطاهر لبيب وأسعد عبد الرحمن وبسام كوسا ومعالي ليلى شرف ومعالي ناصر اللوزي ومحمد عدنان البخيت وغسان التلهوني وسوسن دروزة ورمضان رواشدة وعبد الله أبو رمان وغيرهم كثر ممن رأوا أن العمل يستحق ، وفيما كان الثناء والمدح يغدق ، كنا قد بدأنا بالعمل نحو الذاكرة المستترة على جثة هذا النهر الممتد من برلين إلى بغداد ثم الحجاز الشريف وحيفا ومدن اخرى ، هو نهر حمل الكثير من ذاكرتنا وعلى جانبيه قر التاريخ .
.. ذهبنا الى منبع الحديد في الشام تتبعناه نهراً من أنهر الرواق ، فإذا به كالماء يحمل ، ولا يحمل ، مات عليه الكثيرون وولد الكثير في محطاته وقمراته . رسم الحديد خط التحضر والتوطن فكان حاجزاً بين نسق الفلاحة والبداوة في الأردن . لكنه ظل صلة وصل مع ذاكرة دولة الأمة .
دمرت الحرب العالمية الأولى أجزاء منه وأعيد تعميره ، وظل عامراً ، ولكنه لا يستخدم اليوم للغاية التي من اجلها بني . كثيرون يحملون في ذاكرتهم من صوت القطار وصفيره ومحطاته ما يمكن أن يحدث فتحاً في الدراسات التاريخية الاجتماعية والاقتصادية ، وها نحن نفتح الباب مع هذا المشروع الكبير في تاريخنا الغائب وبعد مائة عام من عبور القطار ارض الأردن ووصوله المدينة المنورة في آب 1908 .
ليس هناك تاريخ يُستدعى هنا ، هذا عمل يبحث عن الحدث الفاعل في تكوين المجتمعات ، هي محاولة لاستدراك آخر مظاهر التوحد والشعور بالمواصلة التاريخية والحضارية التي كونت هويتنا الموحدة المهددة اليوم بخلق كثير من الهويات . اسهم في هذا العمل الفنان والروائي والقاص والمؤرخ والمحبون ايضاً له ، ايماناً منهم أن التاريخ يمكن ان نطرقه في اكثر من اداة . حاولنا في رواق البلقاء ان نلم بالناس والزمان والارض ، وكان لنا هذا النهر من الحديد الذي لا يشكل مجرد تاريخ بصمات ، بقدر ما هو درب من التوق وسكة من الحنين لذاك الذاهب ، ولكل من غادرنا دون ان نتدخل في وداعه أو أن نقرر نهايته .
الفحيص
السابع من حزيران 2007ٍ

 

 



 



 

 

رجوع

 
 


                            Home       About         Art Collection        Our Artists        Fuhaies         Books         Films        Location         Contact